قال القرطبي: والظاهر أنه جعل النحاس لسليمان في معدنه عينا تسيل كعيون المياه، دلالة على نبوته «١».
٣- والنعمة الثالثة هي تسخير الجنّ له شغلة عملة لمختلف الحرف والصناعات الثقيلة، من المساجد والقصور الشامخة، والقصاع الكبيرة كحياض الإبل وقدور النحاس الثوابت التي لا تحرك لعظمها. والتماثيل: وهي كل ما صوّر على مثل صورة من حيوان أو غيره. ذكر أنها صور الأنبياء والعلماء، وكانت تصور في المساجد ليراها الناس، فيزدادوا عبادة واجتهادا،
قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصّور»
أي ليتذكروا عبادتهم، فيجتهدوا في العبادة.
والآية صريحة في أن نبي الله سليمان عليه السلام كان يتخذ التماثيل. وهذا يدلّ على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان، ونسخ جوازه بشرع محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعلة النسخ سد الذّرائع ومحاربة ما كانت العرب تفعله من عبادة الأوثان والأصنام، كما أن التعظيم لا يكون لغير الله تعالى.
ذكر ابن العربي خمسة أحاديث في منع التصوير، منها
ما رواه مسلم عن أبي طلحة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» زاد زيد بن خالد الجهني: «إلا ما كان رقما في ثوب»
ثم ثبتت كراهية الرّقم أيضا ونسخه المنع منه في أحاديث أخرى، فاستقرّ الأمر فيه على المنع كما ذكر القرطبي، ومنها:
ما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود وابن عباس: «أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون»
ومنها ما رواه مسلم عن عائشة قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حوّلي هذا، فإني كلما دخلت، فرأيته ذكرت الدنيا»
وعنها

(١) تفسير القرطبي: ١٤/ ٢٧٠


الصفحة التالية
Icon