معروفة، متواصلة، متقارب بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل ماء ولا زاد، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا، وهي قرى ظاهرة، أي بينة واضحة يعرفها المسافرون، لبنائها على هضاب عالية.
وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ أي جعلناها محطات متعاقبة ذات مقادير متناسبة بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، فيقيلون في بلد، ويبيتون في آخر، إلى أن يصلوا إلى الشام.
سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ أي وقيل لهم بلسان المقال أو الحال:
سيروا في تلك القرى ليالي وأياما آمنين مما تخافون في السير ليلا ونهارا، لا تخشون جوعا ولا عطشا ولا عدوا يهددكم.
ثم بطروا تلك النعمة، فقال تعالى:
فَقالُوا: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي سئموا النعمة، فتمنوا طول الأسفار والتباعد بين الديار، وقالوا: ربنا اجعل بيننا وبين البلاد التي نسافر إليها مفاوز وقفارا، ليركبوا فيها الرواحل، والتزود بالزاد والماء، إظهارا للتمايز الطبقي والتكبر والتفاخر على الفقراء والعاجزين، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج الله لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، مع أنهم كانوا في عيش رغيد بالمن والسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس، كما طلبوا أن يفصل بين القرى بمفاوز وقفار لأغراض حربية، وهذا غاية الانتكاس على الفطرة، والإمعان في تدمير مظاهر الحضارة والتمدن والحياة الهانئة، لذا وصفهم الله بأنهم ظلموا أنفسهم إذ عرضوها للسخط والعذاب، وعاقبهم الله على بطرهم النعمة وكفرهم بالله، فقال:
فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي جعلناهم عبرة لمن يعتبر،