فَقالَ: إِنِّي سَقِيمٌ أي مريض عليل، قاصدا بذلك أنه مريض القلب من إقبال قومه على الكفر والشرك وعبادة الأوثان.
والخلاصة: إن نظر إبراهيم في النجوم، وقوله: إِنِّي سَقِيمٌ من قبيل التورية، فإنه أراد شيئا، وفهموا منه شيئا آخر، تمهيدا لخطته التي بيّتها في أن يكايد أصنامهم، حينما سيخرجون من الغد في يوم عيد لهم، وذلك بالتخلف عن الخروج معهم، دون أن يطلعوا على ما بيّت عليه النية.
وبه يتبين أن إبراهيم عليه السلام لم يقدم على النظر إلى النجوم كما يفعل عبدتها، فذلك غير جائز، ولم يكن كاذبا في قوله: إِنِّي سَقِيمٌ.
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أي تركوه وذهبوا إلى عيدهم ومعبدهم.
فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ، فَقالَ: أَلا تَأْكُلُونَ؟ أي فمال خفية وذهب في سرعة إلى تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها، وقد وضعوا لها الطعام في عيدهم لتباركه، وقال لها تهكما واستهزاء: ألا تأكلون من هذا الطعام المقدم إليكم؟
ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ؟ أي ما الذي يمنعكم من النطق والجواب عن سؤالي؟ ومراده التهكم والاحتقار، لأنه يعلم أنها جمادات لا تنطق.
فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ فمال عليهم يضربهم بقوة وشدة حتى حطمهم إلا كبيرا لهم، كما في سورة الأنبياء.
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ أي فأقبل إليه قومه بعد عودتهم من عيدهم مسرعين، يسألون عمن كسرها، وقد قيل: إنه إبراهيم، وعرفوا أنه هو، فقالوا له: نحن نعبدها وأنت تكسرها؟!! ولما جاؤوا يعاتبونه، أخذ يؤنبهم ويعيبهم، فقال: قالَ: أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟ أي أتعبدون من دون الله أصناما أنتم تصنعونها وتنحتونها بأيديكم؟