وَقالُوا: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ أي وقال المشركون تهكما واستهزاء حين سمعوا بالمعاد والحساب والعقاب: ربنا عجّل لنا نصيبنا من العذاب الذي توعدنا به، ولا تؤخره إلى يوم القيامة. وهذا إنكار من الله تعالى على المشركين في دعائهم على أنفسهم بتعجيل العذاب، كما قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال ٨/ ٣٢].
وقائل ذلك: النضر بن الحارث الذي قال الله فيه سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ [المعارج ٧٠/ ١] أو أبو جهل، ورضي الآخرون بقوله.
ثم أمر الله رسوله بالصبر على أذى المشركين وعلى سفاهتهم قائلا: اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي اصبر على أذى قومك المشركين، فإنهم في النهاية مقهورون أذلاء، ونبشرك على صبرك بالظفر والنصر والعاقبة الحميدة.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآيات عظة بليغة وعبرة مؤثرة يتأثر بها ذوو الإحساس الإنساني السليم الذي يتخلى صاحبه عن الكبر والاستعلاء. وما أعظمها عبرة وشاهدا محسوسا لكفار مكة.
إن أمامهم آثار الدمار والخراب والهلاك، أو إنهم يسمعون ما حدث للأمم التي كذّبت رسلها، وما جرى على المثيل يجري على مثيله. فإن الله القوي القاهر أغرق قوم نوح بالطوفان، وأهلك فرعون وجنوده بالإغراق في البحر، وقوم هود بالريح الصرصر العاتية، وقوم صالح بالصيحة أو بالطاغية (وهي الصيحة المجاوزة للحدّ في الشدة) وقوم لوط بالخسف أو الزلزلة، وأصحاب الأيكة بعذاب الظلة.