الأول: أن هذه الحكاية لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم فجورا لاستنكف منها.
الثاني- أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين: السعي في قتل رجل مسلم بغير حق، وإلى الطمع في زوجته، وكلاهما منكر.
الثالث- أن الله تعالى وصف داود عليه السلام قبل ذكر هذه القصة بصفات عشر، ثم وصفه أيضا بصفات كثيرة بعد هذه القصة، وكل هذه الصفات تنافي كونه عليه السلام موصوفا بهذا الفعل المنكر والعمل القبيح «١».
والرواية الصحيحة لهذه القصة: أن داود عليه السلام كان يقسم وقته الأسبوعي أثلاثا: ثلث لشؤون الملك، وثلث للقضاء بين الناس، وثلث آخر للخلوة والعبادة وترتيل الزبور في المحراب «٢»، فتجاوز خصمان هذا النظام، وتسورا عليه المحراب من فوق الجدار طلبا للمحاكمة في غير موعدها، ففزع منهما، وظن أنهما جاءا لاغتياله، وهو منفرد في محرابه لعبادة ربه، والخصمان بشران لا ملكان، والنعاج: المواشي، لا النساء. إلا أنه بادر إلى الحكم والقضاء قبل سماع بينة الخصم الآخر، فعاتبه الله على ذلك، ونبهه إلى وجوب تثبت القاضي وسماع الخصم الآخر، قبل إصدار الحكم. وسأبين أن هذا أيضا محل نظر، فإنه لا يعقل أن يحكم داود عليه السلام قبل سماع قول الخصم الآخر، فهذا من مبادئ الحكم الأولية التي لا تترك.

(١) تفسير الرازي: ٢٦/ ١٨٩
(٢) وقال ابن عباس: جزّأ أزمانه أربعة أجزاء: يوما للعبادة، ويوما للقضاء، ويوما للاشتغال بخواص أموره، ويوما لجميع بني إسرائيل، فيعظهم ويبكيّهم، فجاءوه في غير القضاء، ففزع منهم، لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله، لا يتركون من يدخل عليه، فخاف أن يؤذوه. (البحر المحيط: ٧/ ٣٩١).


الصفحة التالية
Icon