قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي قال سليمان: ربّ اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله، وهذا من سمو الإحساس بالخطيئة، فقد تكون شيئا لا يخلو عن ترك الأفضل والأولى، وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ولأن الأنبياء أبدا في مقام هضم النفس، وإظهار الذلة والخضوع، كما
قال ص فيما رواه البخاري عن أبي هريرة: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ وامنحني ملكا عظيما لا يتأتى لأحد غيره مثله، إنك يا ربّ أنت الكثير الهبات والعطايا، فأجب دعائي.
قال الزمخشري: كان سليمان عليه السلام ناشئا في بيت الملك والنبوة، ووارثا لهما، فأراد أن يطلب من ربّه معجزة، فطلب بحسب إلفه ملكا زائدا على الممالك، زيادة خارقة للعادة، بالغة حدّ الإعجاز، ليكون ذلك دليلا على نبوته، قاهرا للمبعوث إليهم، وأن يكون معجزة حتى يخرق العادات، فذلك معنى قوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي.
وقيل: كان ملكا عظيما، فخاف أن يعطى مثله أحد، فلا يحافظ على حدود الله فيه «١».
فأجاب الله تعالى دعاءه وأعطاه نعما خمسة، فقال:
١- فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ أي فذلّلنا له الرّيح، وجعلناها منقادة لأمره، تجري ليّنة طائعة في قوّة وسرعة، دون عواصف مضطربة ولا أعاصير، تحمله إلى أي جهة قصد وأراد. ووصف الرّيح هنا بكونها رخاء لا يتعارض مع آية أخرى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ [الأنبياء ٢١/ ٨١] لأن المراد بالعاصفة هنا القوية الشديدة، لا الهائجة