أشد بياضا من اللبن لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ أي لذيذة لمن شربها، بخلاف خمر الدنيا، فإنها كريهة عند الشرب، قال الحسن البصري: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن، له لذة لذيذة لا فِيها غَوْلٌ أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ يسكرون، بخلاف خمر الدنيا. قرئ بفتح الزاي وكسرها، من نزف الشارب وأنزف: سكر، فهو نزيف ومنزوف.
قاصِراتُ الطَّرْفِ قصرن أبصارهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم عِينٌ أي ضخام الأعين حسانها، جمع عيناء: وهي المرأة الواسعة العين مع حسنها كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ شبههن في الصفاء والبياض المخلوط بشيء من الصفرة ببيض النعام المستور بريشه من الريح والغبار.
والمكنون: المصون من الغبار ونحوه. وهذا اللون وهو البياض المشوب بصفرة أحسن ألوان النساء.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ أي أقبل بعض أهل الجنة على بعض، حال شربهم، يسألون عن أحوالهم التي كانت في الدنيا، وذلك من تمام نعيم الجنة قَرِينٌ خليل وصاحب في الدنيا، كافر بالبعث، منكر له. لَمَدِينُونَ مجزيون بأعمالنا، ومحاسبون بها، بعد أن صرنا ترابا وعظاما؟ قالَ المؤمن ذلك القائل لإخوانه مُطَّلِعُونَ معي إلى النار، لننظر حال ذلك القرين الذي قال لي تلك المقالة، كيف منزلته في النار؟
فَاطَّلَعَ ذلك المؤمن إلى النار فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ رأى قرينه في وسط النار قالَ له شماتة إِنْ كِدْتَ قاربت، وإِنْ: مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام هي الفارقة لَتُرْدِينِ لتهلكني بإغوائك وتوقعني في النار وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي ورحمته علي بالإيمان والهداية لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ معك في النار، المسوقين للعذاب أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ أي أنحن مخلدون غير ميتين؟ وهو قول أهل الجنة إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى غير موتتنا التي في الدنيا، وهذا قول صادر من دواعي الابتهاج والسرور بما أنعم الله عليهم من نعيم الجنة الذي لا ينقطع، فهو استفهام تلذذ وتحدث بنعمة الله تعالى، من تأييد الحياة وعدم التعذيب وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أي لسنا بمعذبين.
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي إن ما فيه أهل الجنة من النعمة والخلود والأمن من العذاب، لهو الفوز الساحق الذي لا يقدر قدره. ويحتمل أن يكون هذا من كلام أهل الجنة، وأن يكون كلام الله تقريرا لما يقولون. لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ أي هذه هي التجارة الرابحة، وهو الهدف الأمثل الذي يسعى إليه العاملون، لا العمل للدنيا الزائفة، فلنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون، لا لحظوظ الدنيا المشوبة بالآلام، السريعة الزوال. ويحتمل أن يكون هذا أيضا من كلام أهل الجنة أو كلام الله.


الصفحة التالية
Icon