٣- يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا؟ أي يا قومي، قد أنعم الله عليكم بهذا الملك الواسع، وأنتم الغالبون العالون على بني إسرائيل في أرض مصر، فلكم الكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله وتصديق رسوله ص، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله ص، فمن الذي يمنعنا من عذاب الله إن حل بنا؟ ولا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر، ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء.
وإنما قال: يَنْصُرُنا وجاءَنا لأنه كان يظهر من نفسه أنه منهم، وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه، وأنه حريص على دفع الشر عنهم، ليتأثروا بنصحه.
فرد فرعون بنصيحة فيها مراوغة، مظهرا أنه أخلص نصحا لقومه من هذا الرجل، فقال تعالى:
قالَ فِرْعَوْنُ: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ أي قال فرعون مجيبا الرجل المؤمن: ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي، وما أدلكم وأدعوكم إلا إلى طريق الصواب الذي يؤدي إلى الفوز والنجاة والغلبة وهو قتل موسى. وقد كذب فرعون وافترى في قوله: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى فإنه كان يتحقق صدق موسى عليه السلام فيما جاء به من الرسالة، وكذب أيضا في قوله:
وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ أي وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد، ولكن قومه مع ذلك قد أطاعوه واتبعوه بسبب سلطانه ونفوذه، قال تعالى: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ، وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود ١١/ ٩٧] وقال سبحانه: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه ٢٠/ ٩٧]
جاء في الحديث الثابت الذي رواه الشيخان عن معقل بن يسار: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت، وهو غاشّ لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمس مائة عام».