٥- إن الله تعالى لا يهدي أبدا إلى الحق أهل الإسراف في المعاصي والكذب، وإنه تعالى هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة، ومن هداه الله إلى ذلك لا يكون مسرفا كذابا، وهذا يدل على أن موسى عليه السلام ليس من الكاذبين.
٦- إن من المستغرب حقا أن يخشى أصحاب السلطان والقهر المعتمدين على الجند أو الجيش أو العسكر المدجج بأنواع الأسلحة الفتاكة، من الأنبياء والرسل والقادة المصلحين الذين ليس لهم إلا البيان القوي، والحجة الهادفة، والكلمة المؤثرة. وما ذاك إلا لأن الحق فوق القوة وأثبت منها وأنفذ، لذا تهتز العروش بصوت الحق، ولا يتأثر أصحابها ببأس الأقوياء، وقوة الشجعان.
فهذا فرعون الطاغية ملك مصر يحذر رجلا عاديا هو موسى عليه السلام لا سند له من قوة مادية أو سلاح أو عسكر.
٧- كذلك لقد خوف هذا الرجل المؤمن قومه بهلاك معجل في الدنيا، ثم خوفهم أيضا بهلاك الآخرة بقوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ فاهتز قلب فرعون.
٨- زاد هذا المؤمن في الوعظ والتخويف، وأفصح عن إيمانه، إما مستسلما موطنا نفسه على القتل، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء، وقد وقاه الله شرهم، بقوله الحق: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا [غافر ٤٠/ ٤٥] وصرح بالخوف من عذاب يوم القيامة- يوم التناد، حيث ينادي الناس بعضهم بعضا للاستغاثة، وينادي أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار.
٩- وذكّرهم أيضا بالماضي السحيق، حيث جاء أسلافهم نبي الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وذكّرهم قديم عتوهم على الأنبياء، فجاءهم يوسف بالشواهد القاطعة الدالة على صدقه، فكفروا به وكذبوه في حياته، وكفروا بالأنبياء من بعده، فأضلهم الله بعدئذ عن الحق والصواب.