التفسير والبيان:
يخاطب الله رسوله محمدا ص بقوله:
إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ أي إنا نحن رب العزة وإله الكون نزّلنا عليك يا محمد القرآن العظيم، لأجل الناس، أي والجن، ولبيان ما كلّفوا به، وإنذارهم به، أنزله ربك مقرونا مصحوبا بالحق ملتبسا به، وهو دين الإسلام. قال الزمخشري: لِلنَّاسِ لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه، ليبشّروا وينذروا، فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية، ولا حاجة لي إلى ذلك فأنا الغني، فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه، ومن اختار الضلالة فقد ضرها «١»، قال تعالى:
فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي فمن عرف طريق الحق وسلكها، فاهتداؤه لنفسه، ويعود نفع ذلك إلى نفسه، ومن حاد عن طريق الحق، فضلاله على نفسه، ويرجع وبال ذلك على نفسه، وما أنت أيها الرسول بموكل أن يهتدوا، ولا بمكلف في حملهم على الهداية، بل عليك البلاغ، وقد فعلت، كقوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [هود ١١/ ١٢] وقوله سبحانه: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرعد ١٣/ ٤٠] وقوله عز وجل: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية ٨٨/ ٢١- ٢٢].
ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من أنواع قدرته وتصرفه في الوجود، بعد إنزال القرآن، فقال:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها أي إن الله هو

(١) الكشاف: ٣/ ٣٣


الصفحة التالية
Icon