المناسبة:
بعد بيان الوعيد الشديد للكفار في الدنيا والآخرة، وبيان سببه الذي أوقعهم في الكفر وأبقاهم فيه، ذكر الله تعالى موقفا معاديا آخر لهم، وهو صد الناس عن سماع القرآن والتشويش عند قراءته، لينصرفوا عنه، وهم أنفسهم عند الوقوع في العذاب الشديد يطلبون الانتقام ممن صيّرهم إلى هذا المصير المشؤوم.
التفسير والبيان:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ، وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ أي وقال بعض الكفار لبعض: لا تنصتو لسماع هذا القرآن عند تلاوته أو لا تطيعوه ولا تنقادوا لأوامره، وعارضوه باللغو الذي لا معنى له، من إنشاد الأشعار، ورفع الأصوات والتصفيق والتصفير، والتخليط بالخرافات، حتى تشوشوا على القارئ، ولكي تغلبوه على قراءته، فيسكت.
وقد كان النبي ص وهو في مكة يجهر بتلاوة القرآن لإسماعه الكفار لعلهم يؤمنون به، فكانت قريش يوصي بعضهم بعضا بالتصفيق والتصفير وإنشاد الشعر. قال ابن عباس: قال أبو جهل إذا قرأ محمد، فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول. وهذا دليل على تكذيب مشركي قريش بالقرآن وكفرهم، مثل كفر قوم هود وصالح وغيرهم.
وبعد بيان ذلك هدّدهم الله تعالى بالعذاب الشديد، فقال:
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي فلنجازين جميع الكفار بعذاب شديد، ومنهم كفار قريش في مقابلة معاداتهم لسماع القرآن، ومحاولة صد الناس عن استماعه، ولنجازينهم في الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وهو الشرك، ونهمل ما عملوا من