لا يخفى على الله شيء من أعمال العباد التي عملوها في الدنيا، سرا أو علانية، كما في آية أخرى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ، لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة ٦٩/ ١٨].
ويكون فيه الملك المطلق والسلطان الشامل لله الواحد الأحد، القاهر عباده وكل شيء بقدرته، قهرهم بالموت، ثم بالبعث الشامل. وقد أورد هذا المعنى لتقريره في الأذهان بصورة سؤال يسأل فيه الرب تعالى، يقول: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ أي يوم القيامة، فلا يجيبه أحد، فيجيب تعالى نفسه، فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
والخلاصة: ذكر تعالى هنا أربع صفات ليوم القيامة: هي كونه يوم التلاق، وكون الخلق فيه ظاهرين جميعا أمامه لا يسترهم شيء، وكونه يوما لا يخفي الله فيه من الأعمال شيئا، والمقصود بذلك الوعيد، فإنه تعالى إذا جمع الخلق، يجازي كلا بحسبه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وكون الملك المطلق فيه لله عز وجل.
ثم ذكر تعالى صفة خامسة وسادسة ليوم القيامة، تبينان صفات عدل الله في حكمه بين خلقه، وفضله ورحمته، فقال:
الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أي إن يوم القيامة هذا هو يوم الجزاء وثواب كل عامل بعمله، من خير وشر، ولا ظلم في الحكم فيه على أحد، بنقص من ثوابه أو بزيادة في عقابه، وإن الله سريع حسابه لعباده على أعمالهم في الدنيا، فيحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسا واحدة كما قال تعالى: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان ٣١/ ٢٨] وقال: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر ٥٤/ ٥٠] ولأنه تعالى لا يحتاج إلى تفكر، ويحيط علمه بكل شيء، فلا يغيب عنه مثقال ذرة.
وذكر سرعة الحساب في هذا الموضع لائق جدا، لأنه تعالى لما بيّن أنه لا ظلم، بيّن


الصفحة التالية
Icon