٩- إنما يبعث الله الرسل لإنذار يوم البعث يوم تلاقي الخلائق جميعهم في أرض المحشر، ويوم يكونون ظاهرين في صعيد واحد، لا يسترهم شيء، لاستواء الأرض، وذلك اليوم لا يخفى على الله شيء من العباد ومن أعمالهم، وهو اليوم الذي يظهر فيه السلطان المطلق والملك التام لله الواحد القهار، ويقول سبحانه بعد فناء الخلق وهلاك كل من في السموات ومن في الأرض: لمن الملك في هذا اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه: لله الواحد القهار. وفي تفسير آخر: أن السائل غير الله، والمجيب هم أهل المحشر، ورجح هذا القرطبي، فقال:
أصح ما قيل فيه: ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة، لم يعص الله جل وعز عليها، فيؤمر مناد ينادي:
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا، ويقوله الكافرون غمّا وانقيادا.
ثم أردف القرطبي قائلا: والقول الأول ظاهر جدا، لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدّعين وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه، ومتكبر وملكه، وانقطعت نسبهم ودعاويهم. ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطيّ السماء: «أنا الملك، فأين ملوك الأرض» كما في حديثي أبي هريرة وابن عمر، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟! «١».
١٠- ومن صفات ذلك اليوم: أن تجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر، وأنه لا ظلم فيه، فلا ينقص أحد شيئا من عمله، وإن الله سريع الحساب، فلا يحتاج إلى تفكر واستدلال، لأنه تعالى العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء، فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره، وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك