الأنبياء بالكتب للعباد، فالجملة المؤكّدة مستأنفة، وقيل: يجوز أن يكون بدلا من: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ «١».
وإنما فعل اللَّه ذلك، لأنه السّميع لأقوال البشر، العليم بأحوالهم وبما يصلحهم، فأرسل الرّحمة إليهم رعاية لحاجتهم.
والدّليل على السّمع والعلم وإنزال القرآن ما قاله تعالى:
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن اللَّه السّميع العليم الذي أنزل القرآن هو ربّ السموات والأرض وما بينهما من سائر المخلوقات، وخالقها ومالكها وما فيها، إن كنتم تريدون معرفة ذلك عن يقين تام لا شكّ فيه، قال أبو مسلم: معنى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ إن كنتم تطلبون اليقين وتريدونه، فاعرفوا أن الأمر كما قلنا.
ثم ذكر اللَّه تعالى صفات أخرى هي الوحدانية والقدرة فقال:
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي بعد إثبات الرّبوبية لله أثبت الوحدانية، فهو الإله الواحد الذي لا إله غيره، وأثبت القدرة فهو المحيي والمميت، يحيي ما يشاء، ويميت ما يشاء، ثم أكّد الرّبوبية على البشر بالذّات، فهو ربّكم أيها المخاطبون وربّ آبائكم وأجدادكم الأولين، ومدبّر شؤونهم، فهو المستحق للعبادة، دون غيره من الآلهة المزعومة، ثم ذكر حقيقة المشركين، فقال:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ أي بل هؤلاء المشركون في شكّ من أمر البعث والتّوحيد والإقرار الذي صدر منهم بأن اللَّه هو خالقهم، وهم في الواقع عابثون لا هون لاعبون، لا جدّية عندهم في الاعتقاد الصحيح، والسّلوك المطابق له.