أي كيف يتذكر هؤلاء وأنّى لهم الذّكرى؟ وقد سبق ما حدث منهم من الإعراض عن رسول اللَّه وعن القرآن وهديه، وافتروا على الرّسول بأن معلمه غلام رومي وأنه مجنون.
وهذا كقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى؟
[الفجر ٨٩/ ٢٣].
ثم أعلن اللَّه تعالى عودتهم صراحة إلى الكفر، فقال:
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا، إِنَّكُمْ عائِدُونَ أي إنا سنرفع عنكم العذاب زمانا قليلا، وسنؤخّره قليلا بعد توافر أسبابه، وهذا كالحكم الصادر بالعقوبة مع وقف التّنفيذ، فإنكم راجعون إلى ما كنتم عليه من الشّرك والكفر والعناد، وقد رجعوا فعلا.
وهذا كقوله تعالى في قوم يونس: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يونس ١٠/ ٩٨].
وتأخير العذاب إلى يوم القيامة كما قال تعالى:
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى، إِنَّا مُنْتَقِمُونَ أي إنكم مؤجلون إلى عذاب شديد هو عذاب النار في يوم القيامة، ذلك اليوم الذي يكون فيه البأس الأكبر والأخذ الأشد، وفيه ننتقم أشدّ الانتقام، أي نعاقب هؤلاء الكفار.
وقيل كما روي عن ابن مسعود: إنه يوم بدر، لما عادوا إلى التّكذيب والكفر بعد رفع العذاب عنهم، انتقم اللَّه منهم بوقعة بدر، قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر.
والظاهر كما رجّح ابن جرير الطبري وابن كثير أن ذلك يوم القيامة، وبه قال الحسن البصري وعكرمة في أصح الروايتين عنه.