المناسبة:
بعد بيان الفرق بين المؤمنين والكافرين في الاهتداء والضلال، بيّن اللَّه تعالى الفرق بينهما في الجزاء والمرجع والمآل، فذكر ما للمؤمنين من أنواع النعيم في الجنة، وما للكافرين من الخلود في النار وشرب الماء شديد الحرارة الذي يقطّع الأمعاء.
والكلام متصل أيضا بما قال عزّ وجلّ قبل: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ فهناك بيان الجزاء، وهنا وصف تلك الجنات المعدة للمتقين.
التفسير والبيان:
ذكر اللَّه تعالى في هذه الآية نوعين من الجزاء لكل من الفريقين: جزاء مادي وجزاء معنوي، أما نوعا جزاء المؤمنين فهما المشروب والمطعوم، والمغفرة والرضوان، وأما نوعا جزاء الكافرين فهما المشروب الحار، والخلود في النار. ولما قدّم في الذكر في الآية السابقة المتبصر صاحب البيّنة على من اتّبع هواه، قدّم في هذه الآية حال الأول في المآل على حال الآخر.
ومعنى الآية: إن نعت الجنة أو وصفها العجيب الشأن التي وعد اللَّه بها عباده المتقين الذين اتّقوا عقابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه هو ما تسمعون. ثم ابتدأ بمشروب أهل الجنة:
- فيها أنهار جارية من ماء غير متغير الطعم والريح واللون لطول المكث، بل إنه ماء عذب فرات متدفق نقي غير مصحوب برواسب أو طحالب، من شربه لا يظمأ أبدا. وقد ابتدأ بالماء، لأنه أعم نفعا للناس من بقية المشروبات. روى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: «أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك».