أخرج الإمام أحمد والترمذي والبيهقي عن معاوية بن حيدة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «في الجنّة بحر اللبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر، ثم تشقّق الأنهار منها بعد».
ثم ذكر اللَّه تعالى المأكول الممتع وهو الثمار والفواكه اليانعة، فللمتقين في الجنّة مختلف أنواع الثمار وأصناف الفاكهة ذات الألوان البديعة، والروائح الذكية، والطعوم الشهية، كقوله تعالى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان ٤٤/ ٥٥]، وقوله سبحانه: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ [الرحمن ٥٥/ ٥٢]. ولما كان الأكل في الجنة للذة لا للحاجة ذكر الثمار ولم يذكر اللحم والخبز.
وبعد بيان الجزاء المادي من المشروب والمأكول ذكر تعالى الجزاء المعنوي وهو ظفر أهل الجنة مع ذلك كله بمغفرة اللَّه ورضوانه وتجاوزه عن سيئاتهم وذنوبهم كرما وحلما وفضلا ورحمة، والمغفرة تكون قبل دخول الجنة، فقوله:
وَمَغْفِرَةٌ معطوف على قوله: لَهُمْ كأنه قال تعالى: لهم الثمرات فيها، ولهم المغفرة قبل دخولها.
ثم قارن اللَّه تعالى ما وعد به المتقين من النعيم بما أوعد به الكافرين من الجحيم، فأبان: أهؤلاء الذين ذكرنا منزلتهم من الجنة وبيّنا ما هم فيه من نعيم وخلود، كمن هو خالد في النار؟ لا شكّ أنه لا يستوي من هو في الدرجات كمن هو في الدركات، وليس أهل الجنة التي فيها الثمار والأنهار كأهل النار التي فيها الحميم في العذاب الأليم، كما قال تعالى: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد ٤٧/ ١٢].
فالخلود صفة مشتركة بين أهل الجنة وأهل النار، ولكن شتّان ما بين النوعين، الأولون خالدون في النعيم المقيم، والآخرون خالدون في العذاب الأليم.