أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ أن لن يبرز اللَّه تعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم والمؤمنين أحقادهم، والأضغان: جمع ضغن أي حقد شديد لَأَرَيْناكَهُمْ أي عرّفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم، واللام لام الجواب، وكررت في المعطوف الآتي: فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ أي بعلامتهم، والفاء هنا فاء التفريع وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ جواب قسم محذوف، أي وو اللَّه لتعرفنهم لَحْنِ الْقَوْلِ أسلوبه ومعناه، أو إمالته عن وجهه الصريح إلى التعريض والتورية، فإذا تكلموا عندك عرّضوا بما يعيب أمر المسلمين وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ فيجازيكم على حسب قصدكم، إذ الأعمال بالنيات.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ لنختبرنكم بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة أي نعاملكم معاملة المختبر بالجهاد حَتَّى نَعْلَمَ علم ظهور وانكشاف، أما العلم الحقيقي فهو متوفر بالنسبة لله وَالصَّابِرِينَ في الجهاد وغيره من المشاق وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ نظهر حسن أعمالكم وقبحها، وطاعتكم وعصيانكم في الجهاد وغيره، أو أخباركم عن الإيمان وموالاة المؤمنين صدقا وكذبا.
المناسبة:
بعد بيان حال إعراض المنافقين عن الخير واستماع القرآن، أمرهم تعالى بتدبر القرآن، ونهاهم عن الإعراض عنه كيلا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات، ثم أخبر أنهم رجعوا وارتدوا إلى الكفر بعد ما تبين لهم حقيقة الإسلام بالدلائل الواضحة، أو نعت محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة بالمعجزات الباهرة، وأوضح سبب ردتهم وهو قولهم ليهود بني قريظة والنضير: سنطيعكم في بعض الأمور والأحوال.
ثم ذكر تعالى ما يلاقونه من أهوال عند قبض أرواحهم بسبب اتباع أهوائهم وإسخاط ربهم، وأردفه ببيان قدرة اللَّه على كشف أحوالهم وافتصاح أمرهم، وأعلن صراحة لهم أن الدنيا دار اختبار بالأوامر والنواهي كالجهاد وغيره، ليعلم المجاهد الصادق في إيمانه، الصابر على مشاقّ التكاليف، وليختبر أعمالهم الحسنة والسيئة، وأخبارهم التي يشيعونها، فيجازيهم بما عملوا.
التفسير والبيان:
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها أي أفلا يتفهم هؤلاء المنافقون وغيرهم القرآن ويتصفحونه، فيعملون بما اشتمل عليه من المواعظ


الصفحة التالية
Icon