تقوم مقام الرؤية، فعرفتهم بعلامتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها، ولكنه تعالى لم يفعل ذلك في جميع المنافقين سترا منه على خلقه، وحملا للأمور على ظاهر السلامة.
وواللَّه لتعرفنهم يا محمد في فحوى الكلام ومقصده ومغزاه، وهو تعريضهم بأمرك وأمر المسلمين، ومخاطبتهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بألفاظ ظاهرها الحسن، وباطنها القبح. قال الكلبي: فلم يتكلم بعد نزولها عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منافق إلا عرفه. وعن أنس أنه ما خفي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد هذه الآية شيء من المنافقين، ولقد كنا في بعض الغزوات، وفيها تسعة منهم يشكوهم الناس، فناموا ذات ليلة، وأصبحوا، وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب: هذا منافق.
واللَّه لا تخفى عليه خافية، ويعلم جميع أعمالهم، فيجازيهم عليها من خير أو شر. وهذا وعد ووعيد، وبشارة وإنذار.
ثم أعلن اللَّه تعالى منهج الحياة الدنيوية بالنسبة للتكاليف الشرعية، فقال:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ، وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ أي ولنختبرنكم بالأوامر والنواهي ونعاملنكم معاملة المختبر، ومنها الجهاد في سبيل اللَّه، حتى نعلم علم ظهور وانكشاف، فالله يعلم الحقائق كلها قبل وجودها، وإنما التكليف يظهر المجاهدين بحق في سبيل اللَّه، الذين امتثلوا الأمر بالجهاد، ويظهر الذين صبروا على دينه ومشاق ما كلّف به، ويظهر أخبار الناس ويكشفها امتحانا لهم، ليظهر للناس من أطاع ما أمره اللَّه به، ومن عصى ولم يمتثل. ولهذا يقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما في مثل هذا: إلا لنعلم، أي لنرى.
وقال علي رضي اللَّه عنه: حَتَّى نَعْلَمَ: حتى نرى.
وقال إبراهيم بن الأشعث: كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى، وقال: اللهم لا تبتلينا، فإنك إذا بلوتنا فضحتنا، وهتكت أستارنا.


الصفحة التالية
Icon