فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ، وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ أي فبعضكم يبخل باليسير من المال ولا يجيب لدعوة الإنفاق، فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال؟ ومن يبخل في الإنفاق، فإنما يمنع نفسه الأجر والثواب ببخله، ويعود وبال ذلك عليه، فإنه بالبخل يتغلب العدو عليكم، فيذهب عزكم وأموالكم، وربما أنفسكم.
واللَّه هو صاحب الغنى المطلق المتنزه عن الحاجة إلى أموالكم، فهو الغني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه دائما، لذا قال: وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ أي أنتم أيها العباد الفقراء بالذات إلى اللَّه، وإلى ما عنده من الخير والرحمة، فهو سبحانه لا يأمر بالإنفاق لحاجته، ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب.
ثم أبان اللَّه تعالى سنته في الاستبدال بقوم قوما آخرين أفضل منهم إن أعرضوا عن حمل الأمانة، فقال محذرا ومذكرا ومهددا:
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ أي إن تعرضوا عن الإيمان والتقوى وعن طاعة اللَّه واتباع شرعه، يستبدل قوما آخرين يكونون مكانكم هم أطوع لله منكم، أي يكونون سامعين مطيعين لله ولأوامره، وليسوا أمثالكم في التولي عن الإيمان والتقوى، وفي البخل بالإنفاق في سبيل اللَّه.
روى ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد الرزاق والبيهقي والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلا هذه الآية: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قالوا: يا رسول اللَّه، من هؤلاء الذين إن تولينا، استبدل بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه، ثم قال: «هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس»
لكن تكلم به بعض الأئمة رحمهم اللَّه، كما قال ابن كثير، وقال الترمذي: حديث غريب في إسناده مقال.


الصفحة التالية
Icon