الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، اختلط المشركون بالمسلمين، وسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام من قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير كثر بهم سواد الإسلام، فما مضت تلك السنون إلا والمسلمون قد جاؤوا إلى مكة في عشرة آلاف، ففتحوها.
وقال جماعة: المراد فتح مكة، وعد اللَّه به قبل حدوثه بطريق البشارة من اللَّه تعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وللمؤمنين، قال الزمخشري «١» : هو فتح مكة، وقد نزلت السورة مرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن مكة عام الحديبية، عدة له بالفتح، وجيء به على لفظ الماضي على عادة رب العزة سبحانه في أخباره، لأنها في تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة، وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علوّ شأن المخبر ما لا يخفى، أهـ.
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ.. يجوز أن يكون الفتح فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا أو علة للغفران والثواب، وكذلك فتح الحديبية وإن لم يكن فيه قتال شديد، لكن وقع فيه ترام بين القوم بسهام وحجارة أو كونه سببا لفتح مكة، يكون لما تضمنه من مجاهدة سببا للمغفرة.
فإن لم يجعل الفتح علة للمغفرة، فيكون ذكر اللام- كما قال الزمخشري- لاجتماع ما عدّد من الأمور الأربعة، وهي المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، أي لتحصيل مجموع هذه الأمور كأنه قيل: يسرنا لك فتح مكة أو الحديبية ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين، وغايات العاجل والآجل.
ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ أي جميع ما فرط منك مما يصح أن يعاتب عليه، وبما أن الأنبياء معصومون عن الذنوب الكبائر والصغائر، فالمراد بالذنب هنا: فعل ما هو خلاف الأولى والأفضل بالنسبة لمقام الأنبياء، فهو من قبيل: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين. أو أن المراد ما هو ذنب في نظره العالي، وإن لم يكن في الواقع كذلك. وفي هذا ترغيب للأمة في الجهاد.
وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ أي ويتم بالفتح المذكور إنعامه عليك، بإعلاء الدين، واجتماع الملك مع النبوة وفتح البلاد وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً أي يثبتك بالفتح على الطريق القويم، وهو دين الإسلام وتبليغه وإقامة شعائره وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً أي وينصرك اللَّه بالفتح نصرا فيه عز ومنعة: وهو الذي لا ذلّ بعده، أو يعز به المنصور وهو الذي لا يناله كل أحد، فوصف الشخص بالنصر العزيز للمبالغة.