تقدم صلح الحديبية الذي كان سببا لفتح مكة وانتشار العلم النافع والإيمان، واختلاط الناس مع بعضهم بعضا، وتكلّم المؤمن مع الكافر. قال موسى بن عقبة: قال رجل عند منصرفهم من الحديبية: ما هذا بفتح، لقد صدّونا عن البيت،
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بل هو أعظم الفتوح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح، ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا».
وتساءل الزمخشري بقوله: كيف يكون فتحا، وقد أحصروا، فنحروا، وحلقوا بالحديبية؟ ثم أجاب: كان ذلك قبل الهدنة، فلما طلبوها، وتمت، كانت فتحا مبينا.
وقال الشعبي في قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: هو صلح الحديبية، لقد أصاب فيها ما لم يصب في غزوة، غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محلّه، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقد سبق كلام الزهري. والخلاصة: تحقق في هذا الصلح أمور ثلاثة: هي معرفة قوة العدو ومدى كفايته في السلم والسياسة والصلح، وتمييز المؤمنين من المنافقين، واختلاط المسلمين بالمشركين الذي أدى إلى الدخول في الإسلام.
وقيل: إنه فتح مكة، وهو مناسب لآخر السورة التي قبلها، حيث حث تعالى على الجهاد بالنفس وبالمال والإنفاق في سبيل اللَّه، ونهى عن طلب الصلح، فقال: لا تسألوا الصلح من عندكم، بل اصبروا، فإنهم يسألون الصلح ويجتهدون فيه، كما كان يوم الحديبية.
٢- كانت ثمار الفتح الأعظم أربعة أمور هي:
الأول- البراءة المطلقة للنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمغفرة جميع ذنوبه المتقدمة والمتأخرة التي تعد بمثابة خلاف الأولى والأفضل بالنظر لمقامه الشريف.