بالعقاب والنار لمن عصاك. لِتُؤْمِنُوا الخطاب للنّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والأمة، وقرئ بالياء ليؤمنوا أي الناس وكذا الفعلان بعده. وَتُعَزِّرُوهُ تنصروه وتؤيّدوه وتقوّوه بتقوية دينه ورسوله.
وَتُوَقِّرُوهُ تعظموه من التوقير: وهو الاحترام والتعظيم، والضمير فيهما لله تعالى- وهو الأولى- أو لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وَتُسَبِّحُوهُ تنزّهوا اللَّه عما لا يليق به من الشرك والولد، من التسبيح، أو تصلوا له من السّبحة: وهي صلاة التطوع. بُكْرَةً وَأَصِيلًا غدوة وعشيا، أي أول النهار وآخره، أو دائما.
يُبايِعُونَكَ بيعة الرضوان يوم الحديبية، بايعوه على الموت في نصرته والدفاع عنه، أو على ألا يفرّوا من قريش، وأصل المبايعة أو البيع: مبادلة المال بالمال، ثم أطلق هنا على المعاهدة على الثبات في محاربة الكفار في مقابل ضمان الجنة لهم. وكانت المبايعة تحت شجرة بالحديبية (وهي قرية صغيرة بينها وبين مكة حوالي مرحلة، وهي في حدود الحرم). إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأن اللَّه هو المقصود بالبيعة، مثل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء ٤/ ٨٠] أي أن المقصود من بيعة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وطاعته طاعة اللَّه وامتثال أوامره، والمراد بآية يُبايِعُونَ اللَّهَ: أي صفقتهم إنما يمضيها ويمنح الثمن فيها اللَّه عزّ وجلّ، وأن عقد الميثاق مع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كعقده مع اللَّه تعالى من غير تفاوت.
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ مؤكد معنى البيعة، والمراد أنه تعالى مطّلع على مبايعتهم، فيجازيهم عليها، ونصرته إياهم أقوى وأعلى من نصرتهم إياه. واستعمال اليد هنا بمعنى الغلبة والنصرة ونعمة الهداية، فهو مجاز، واللَّه تعالى منزّه عن الجوارح وعن صفات الأجسام. ويعتقد السلف بوجود يد لله تعالى، لا كالأيدي، لأنه ليس كمثله شيء، وهذا أسلم، وإن كان المجاز أولى عقلا وأحكم رأيا، ونفوّض الأمر لله مع الإيمان بما ورد في القرآن والسّنّة الصحيحة.
نَكَثَ نقض العهد، وضدّه: أوفى بالعهد ووفّى به: إذا أتّمه. فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ يرجع وبال وضرر نقضه عليه. وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ وفّى في مبايعته، وقرأ الجمهور بكسر الهاء، وقراءة حفص بضم الهاء، لأنها هاء «هو» وهي مضمومة، فاستصحب ذلك، كما في «له، وضربه». أَجْراً عَظِيماً هو الجنة.
قال جابر بن عبد اللَّه: بايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت الشجرة على الموت، وعلى ألا نفرّ، فما نكث أحد منّا البيعة إلا جدّ بن قيس، وكان منافقا اختبأ تحت إبط ناقته، ولم يثر مع القوم.
المناسبة:
بعد بيان فضائل الفتح- صلح الحديبية على النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى أصحابه