حيث بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب، فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان ممن بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت الشجرة، قال:
فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يعلموها، وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم!! وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن نافع قال: بلغ عمر أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها، فقطعت.
فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً أي فعلم اللَّه ما في قلوبهم من الإيمان والصدق، والإخلاص والوفاء، والسمع والطاعة، فأنزل الطمأنينة وسكون النفس عليهم، وجازاهم فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية، ثم أتبعه بفتح مكة وفتح سائر البلاد والأقاليم.
وفاء فَعَلِمَ للتعقيب، والفعل متعلق بقوله: إِذْ يُبايِعُونَكَ..
وبما أن العلم بما في القلوب قبل الرضى، فيكون المراد كما يقول القائل: فرحت أمس إذ كلّمت زيدا، فقام إلي، أو إذ دخلت عليه فأكرمني، فيكون الفرح بعد الإكرام ترتيبا في المعنى، والآية كذلك إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب، بل عند المبايعة التي كان معها علم اللَّه بصدقهم. وفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ.. للتعقيب الواقعي، فإنه تعالى رضي عنهم، فأنزل السكينة عليهم.
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً أي: وأثابهم أيضا مغانم كثيرة، وهي غنائم خيبر، وكان توزيع الغنائم تعويضا لهم عما تأملوه من غنائم أهل مكة، ومخصصا بأهل بيعة الرضوان.
وكان اللَّه وما يزال غالبا كامل القدرة، مدبرا أمور خلقه على وفق الحكمة والسداد، وقد حقق لأهل بيعة الرضوان العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon