الذي حفظه اللَّه من التغيير ومن الشياطين.
أخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة عن النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «كلّ ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذّنب ومنه خلق ومنه يركّب».
والأصح في تقديري أن هذا تقريب لأذهاننا وتمثيل لإحاطة علم اللَّه تعالى بجميع الأشياء والكائنات، وإحصائه كل الوقائع والأعمال، كمن عنده سجل حسابات لكل شاردة وواردة. ولا يمنع ذلك وجود اللوح المحفوظ الذي نؤمن به لوروده في آيات كثيرة أخرى. والآية إشارة إلى جواز البعث وقدرته تعالى عليه.
ثم أبان اللَّه تعالى سبب كفرهم وعنادهم وما هو أشنع من تعجبهم من البعث، وهو تكذيبهم بآيات اللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال:
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ، فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أي إن كفار قريش في الحقيقة كذبوا بالقرآن وبنبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الثابتة بالمعجزات، إنهم كذبوا (بالقرآن وبالنبوة) بمجرد تبليغهم به من قبل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، من غير تدبر ولا تفكر ولا إمعان نظر، فهم في أمر دينهم في أمر مختلط مضطرب، يقولون مرة عن القرآن والنّبي: ساحر وسحر، ومرة: شاعر وشعر، ومرة: كاهن وكهانة، فهم في قلق واضطراب ولبس، لا يدرون ماذا يفعلون، كما قال تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات ٥١/ ٨- ٩].
ثم أقام اللَّه تعالى الدليل على قدرته العظيمة على البعث وغيره، على حقيقة المبدأ والمعاد، فقال:
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ أي أفلم ينظر هؤلاء الكفار بأم أعينهم، المكذبون بالبعث بعد الموت، المنكرون قدرتنا العظمى، إلى هذه السماء بصفتها العجيبة، فهي مرفوعة بغير أعمدة تعتمد عليها، ومزيّنة بالكواكب المنيرة كالمصابيح، وليس فيها شقوق وفتوق