التفسير والبيان:
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ أي فإذا واجهتم الكفار في القتال، فاحصدوهم حصدا بالسيوف، واضربوا الرقاب ضربا. وهذا أمر بجهاد الكفار، وهم من لم يكن لهم عهد مع المسلمين، من المشركين وأهل الكتاب، عند وجود مسوغات القتال وتوافر العدوان، وهو قتال لا شفقة فيه ولا هوادة، وإنما يجب إعمال السلاح فيهم، حسبما تقتضي طبيعة الحرب، كما قال تعالى:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة ٢/ ١٩٣].
هذا هو الحكم الأول في أثناء المعركة، أما بعد انتهاء المعركة فقال اللَّه تعالى:
حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ، فَشُدُّوا الْوَثاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها أي حتى إذا أكثرتم فيهم القتل، وغلبتموهم، وأصبحوا بلا قوة كالرجل المثخن بالجراح، فضعفوا واستكانوا وصاروا أسرى في أيديكم، وانتهت الحرب بإثخانهم وقهرهم، فأسروهم وأحكموا القيد عليهم لئلا يفلتوا ويهربوا.
وبعد الأسر أنتم مخيرون بين أمرين: إما المنّ عليهم بإطلاق سراحهم بلا مقابل أو بغير عوض، وإما الفداء بمبادلتهم بالأسرى المسلمين أو بدفع الفداء وهو المال الذي يفدي به الأسير نفسه من الأسر.
وذلك حتى لا يكون حرب مع الكفار ولا قتال، بأن يضع الأعداء المحاربون أوزارهم، وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة، أي إن غاية هذه الأوامر إنهاء الحرب والقتال. وهذا في الحقيقة حث على السلم المستتب، ليعيش الناس في سلام وأمان، ويتم تبادل الأفكار، وتنتشر دعوة الإسلام بالحكمة والإقناع، والحجة والبرهان، والموعظة الحسنة، فليس انتشار الإسلام بالسيف كما يتصور بعض