رجلين من أصحاب النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسر أصحاب النّبي رجلا من بني عامر بن صعصعة، فمرّ به على النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الأسير: علام أحبس؟ فقال: بجريرة حلفائك، فقال: إني مسلم، فقال النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح» ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فناداه أيضا، فأقبل فقال: إني جائع فأطعمني، فقال النّبي: نعم هذه حاجتك، ثم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما.
وروي أن النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين.
قال ابن العربي والقرطبي: والتحقيق الصحيح أن الآية محكمة في الأمر بالقتال «١». وهذا مذهب جمهور العلماء منهم ابن عمر والحسن وعطاء، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم. ولا يلجأ إلى القول بالنسخ إلا عند تعذر التوفيق والجمع بين الأدلة المتعارضة، وهنا يمكن التوفيق بحمل آيات القتال على حالة الحرب ونقض العهد ومقتضيات المعركة، فلا بدّ حينئذ من القتل لإعلاء كلمة اللَّه تعالى وإظهار عزّة الإسلام وإعلاء هيبة المسلمين، فإن تحقق المطلوب تخيّر المسلمون بعد انتهاء الحرب واستقرار السلم بين المنّ والفداء. أما القتل بعد الأسر فهو ضرورة ولا تكون إلا لمصلحة حربية واضحة يراها الإمام.
قال سعيد بن جبير: لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف، لقوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال ٨/ ٦٧]. فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما يراه من قتل أو غيره «٢». وهذا مذهب الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة.

(١) أحكام القرآن: ٤/ ١٦٨٩، تفسير القرطبي: ١٦/ ٢٢٨
(٢) تفسير القرطبي: ١٦/ ٢٢٨


الصفحة التالية
Icon