على أن ليس عدلا من كليب إذا ما خار جاش «١» المستجير
وأنشد قصائد أخرى على هذا النمط.
التفسير والبيان:
الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ أي إن الله الواسع الرحمة لخلقه في الدنيا والآخرة أنزل على عبده محمد ﷺ القرآن لتعليم أمته وجعله حجة على الناس قاطبة، ويسّر حفظه وفهمه على من رحمه. وهذا جواب لأهل مكة القائلين: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل ١٦/ ١٠٣] ولما كانت هذه السورة لتعداد نعم الله التي أنعم بها على عباده، قدّم بيان أجل النعم قدرا، وأكثرها نفعا وهي نعمة تعليم القرآن عباده، فإنها مدار سعادة الدارين. ثم امتن بنعمة خلق الإنسان أداة إعمار الكون، فقال:
خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ أي أوجد جنس الإنسان، وعلّمه النطق والتعبير عما في نفسه، ليتخاطب مع غيره، ويتفاهم مع أبناء مجتمعة، فيتحقق التعاون والتآلف والأنس، وبذلك اكتملت عناصر التعليم: الكتاب والمعلم وهما القرآن والنّبي، والمتعلم وهو الإنسان، وطريق التعلم وكيفيته وهو البيان.
ثم ذكر الله تعالى أمورا علوية هي مجال التعلم، فقال:
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي إن الشمس المشرقة المضيئة للنهار، والقمر نور الليل يجريان بحساب دقيق منظم مقدر معلوم في بروج ومنازل معلومة، لا يعدوانها، ويدلان بذلك على اختلاف الفصول وعدد الشهور والسنين، ومواسم الزراعة، وآجال المعاملات وأعمار الناس، ويحققان الفوائد الكثيرة للإنسان والنبات والحيوان، ويتعاقبان بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب، كما
(١) مخفف جأش وهو العزيمة، وقد تطلق على النفس مجازا.


الصفحة التالية
Icon