ويستأنس لهذا القول
بما رواه الإمام أحمد وأبو محمد بن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «لما نزلت ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة، أو شطر أهل الجنة، وتقاسمونهم النصف الثاني».
أما أصحاب اليمين كما يأتي وهم أهل الجنة، فإنهم كثيرون من هذه الأمة، لأنهم كل من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا، فإنهم ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة، ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكوّن نصف أهل الجنة، كما في الحديث المتقدم.
والخلاصة: إن مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها، وإن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا، وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم. وإن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم، فما على سابقي هذه الأمة بأس إذا كثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام «١».
ثم وصف الله تعالى حال المقربين، فقال:
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ أي هم في الجنة حالة كونهم على أسرّة منسوجة بخيوط الذهب، مشبكة بالدرّ والياقوت والزبرجد، مستقرّين على السرر، متكئين عليها متقابلين مواجهة، لا ينظر بعضهم قفا بعض، فهم في بسط وسرور، وصفاء وحبور، لا يملّون ولا يكلون، ولا يتخاصمون ولا يتشاحنون، وهم مخدومون كما قال تعالى: