لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً، إِلَّا قِيلًا: سَلاماً سَلاماً أي لا يسمعون في الجنة كلاما لاغيا، أي عبثا خاليا من المعنى، أو مشتملا على معنى ساقط أو حقير أو مناف للمروءة، ولا كلاما فيه قبح من شتم أو مأثم، ولكن يسمعون أطيب الكلام، وأكرم السلام أو التسليم منهم بعضهم على بعض، كما قال سبحانه:
تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [إبراهيم ١٤/ ٢٣]. والمراد أن هذا النعيم ليس مصحوبا بألم كنعيم الدنيا، وإنما هو خال من الكدر والهم، واللغو، والقبح. والحكمة في تأخير ذكر ذلك عن الجزاء، مع أنه من النعم العظيمة: أنه من أتم النعم، فجعله من باب الزيادة والتمييز، لأنه نعمة اجتماعية تدل على نظافة الوسط الاجتماعي، بعد ذكر النعم الشخصية.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إن فئة السابقين المقربين تشتمل على جماعة من الأمم الماضية، وقليل ممن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، لأن الأنبياء المتقدمين كثيرون، فكثر السابقون إلى الإيمان منهم، فزادوا على عدد من سبق إلى التصديق من أمتنا.
والأصح أن هذه الآية: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ محكمة غير منسوخة، لأنها خبر، ولأن ذلك في جماعتين مختلفتين، والنسخ في الأخبار أي في مدلولها مطلقا غير جائز في الأرجح، فإذا أخبر تعالى عنهم بالقلة، لم يجز أن يخبر عنهم بالكثرة من ذلك الوجه.
قال الحسن البصري: سابقو من مضى أكثر من سابقينا، فلذلك قال:
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ وقال في أصحاب اليمين، وهم سوى السابقين: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ولذلك
قال النبي ﷺ كما تقدم: «إني لأرجو