ثم ذكر الله تعالى النار التي بها الإصلاح، فهي أيضا نعمة، والله هو الذي أنشأ شجرتها التي يكون منها الزناد وهي المرخ والعفار، وإذا عرف أن الله هو المخترع الخالق، وعرفت قدرته على خلق الأشياء، فليشكروه ولا ينكروا قدرته على البعث.
ونار الدنيا أيضا موعظة للنار الكبرى، وسبب منفعة وتمتع للمسافرين وكل الناس، فلا يستغني عنها أحد في مرافق الحياة والمعايش، فيها الخبز والطبخ والإنارة والطاقة المولدة لمحركات الآلات الحديثة في البر والجو والبحر، وهذا تذكير بالإنعام الإلهي على الناس.
وما عليك أيها الإنسان بعد إيراد هذه الأدلة والتذكير بهذه النعم إلا أن تنزه الله عما أضافه إليه المشركون من الأنداد، والعجز عن البعث.
ويلاحظ حسن الترتيب في بيان هذه الأدلة، حيث بدأ تعالى بذكر خلق الإنسان، لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم، ثم أعقبه بذكر ما فيه قوام الناس وقيام معاشهم وهو الحبّ، ثم أتبعه الماء الذي به يتم العجين، ثم ختم بالنار التي بها يحصل الخبز. وذكر عقيب كل واحد ما يمكن أن يأتي عليه ويفسده، فقال في الأولى: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وفي الثانية: لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً وفي الثالثة: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً ولم يقل في الرابعة وهي النار ما يفسدها، بل قال: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً تتعظون بها، ولا تنسون نار جهنم، كما
أخرج الترمذي عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، لكل جزء منها حرها».