كُلُوا وَاشْرَبُوا.. أي ويقال لهم ذلك. هَنِيئاً أي أكلا وشربا هنيئا، أو طعاما وشرابا هنيئا: وهو ما لا تنغيص فيه ولا نكد، أو ما لا مشقة فيه ولا يؤدي إلى سقم أو عناء وتخمة.
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بسبب عملكم. سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ أي متصلة ببعضها حتى تصير صفا واحدا. وَزَوَّجْناهُمْ قرناهم، معطوف على جَنَّاتٍ. بِحُورٍ عِينٍ حور: جمع حوراء:
وهي المرأة البيضاء، والعين: جمع عيناء، وهي المرأة العظيمة الواسعة العين، أي نساء بيض عظام الأعين حسانهن، وحور العين: اسوداد المقلة.
وَالَّذِينَ آمَنُوا معطوف على بِحُورٍ أي قرناهم بأزواج ورفقاء مؤمنين كقوله تعالى:
إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الحجر ١٥/ ٤٧]، ويصح جعله مبتدأ، وخبره: أَلْحَقْنا بِهِمْ.
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ اعتراض للتعليل، والذرية: لفظ يقع على الواحد والكثير، وقرئ:
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان، والذرية: تشمل الصغار والكبار، وقوله: بِإِيمانٍ حال من ضمير: واتبعتهم، وتنكيره للتعظيم، أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق:
المتابعة في أصل الإيمان. أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ في دخول الجنة، أو الدرجة، وإن لم يعملوا بعملهم، تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم، ولما
روي مرفوعا: أنه ﷺ قال فيما يرويه ابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عباس: «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه لتقرّ بهم عينه» ثم تلا هذه الآية.
وَما أَلَتْناهُمْ وما نقصناهم بهذا الإلحاق. مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي فيزاد في عمل الأولاد بالتفضل عليهم، وهو اللائق بكمال لطف الله. بِما كَسَبَ من خير أو شر. رَهِينٌ مرهون بعمله عند الله، فيؤاخذ بالشر، ويجازى بالخير، والعمل الصالح يكفّه، والعمل الصالح يهلكه.
وَأَمْدَدْناهُمْ زدناهم وقتا بعد وقت. مِمَّا يَشْتَهُونَ من أنواع النعم، وإن لم يصرحوا بطلبه.
يَتَنازَعُونَ فِيها يتجاذبون في الجنة ملاعبة وسرورا، أو يتعاطون بينهم. كَأْساً خمرا، فهي إناء الخمر ما دام مملوءا فإن كان فارغا لم يسم كأسا، وسماها باسم محلها، ولذلك أنت الضمير في قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ أي لا يتكلمون بسبب شربها بلغو الحديث (وهو ما لا خير فيه)، ولا يفعلون ما يأثم به فاعله من فحش الكلام وغيره مما يغضب الله، كما هو عادة الشاربين في الدنيا، وذلك مثل قوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ [الصافات ٣٧/ ٤٧].
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ للخدمة بالكأس وغيرها. غِلْمانٌ لَهُمْ مماليك مخصوصون بهم.
كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ أي كأن الغلمان حسنا ولطافة لؤلؤ مصون في الصدف، لأن فيها أحسن منها في غيرها، وذلك من صفائهم وبياضهم،
قال ﷺ فيما رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة: «والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».