ويلاحظ أيضا الفرق بين جزاء الكفار حيث قال تعالى في حقهم: إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وبين جزاء المتقين حيث قال في حقهم: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فجزاء الكفار منحصر بكلمة إِنَّما للحصر، أي لا تجزون إلا ذلك، وأما المؤمنون فيضاعف ما عملوا ويزيدهم من فضله، ويجازى الكفار عين أعمالهم بقوله: بِما كُنْتُمْ إشارة إلى المبالغة في المماثلة، وقال في حق المؤمنين:
بِما كُنْتُمْ كأن ذلك أمر ثابت مستمر بعملهم الصالح، وذكر الله تعالى الجزاء في حق الكفار، وهو ينبئ عن الانقطاع، ولم يذكره في حق المؤمنين مما يدل على الدوام وعدم الانقطاع «١».
ثم أخبر الله تعالى عن مزيد فضله وكرمه ولطفه بخلقه وإحسانه بإلحاق الذرية بالآباء في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم، لتقرّ عين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فقال:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي إن المؤمنين الذين تتبعهم ذريتهم في الإيمان أو بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء، يلحقهم الله بآبائهم في المنزلة فضلا منه وكرما، والمعنى: أن الله سبحانه يرفع ذرية المؤمن إليه، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر عينه، وتطيب نفسه، بشرط كونهم مؤمنين. ومن باب أولى يلحق الآباء بالأبناء إن كان هؤلاء أحسن حالا من آبائهم، فيرفع ناقص العمل إلى منزلة كامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتساوي بينه وبين ذاك. قال ابن عباس: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتقرّ بهم عينه، ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ، أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ «٢» وتنكير لفظة بِإِيمانٍ للدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة،
(٢) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، ورواه البزار عن ابن عباس مرفوعا، ورواه الثوري عن ابن عباس موقوفا.