رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان».
وفي الحديث الآخر في الصحيح: «أربع من كنّ فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها»
فذكر منهن إخلاف الوعد.
وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا أدخل الواعد الموعود به في ورطة، وجب الوفاء به، كما لو قال لغيره: تزوج ولك علي كل يوم كذا، فتزوج وجب عليه أن يعطيه، ما دام كذلك، لأنه تعلق به حق آدمي، وهو مبني على المضايقة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب ديانة مطلقا الوفاء بالوعد، وإن كان يجب ديانة ومروءة، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، قُلْ: مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء ٤/ ٧٧- ٧٨] وقال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا: نُزِّلَتْ سُورَةٌ؟ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [محمد ٤٧/ ٢٠].
ثم ذمّهم سبحانه على مخالفة القول العمل، فقال:
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ أي عظم جرما أن تقولوا قولا وتفعلون غيره، فإن خلف الوعد دليل على حب الذات (الأنانية) وإهدار لمصلحة وكرامة ووقت الآخرين، وإخلال بالثقة بين الأفراد والجماعات،