والصحيح عند الحنفية أن للشرع في ملازمة المعتدة بيت الزوجية حقا في ذلك، لا يملك الزوج إسقاطه، فيكون قوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ دالا على حرمة إخراجهن بمنطوقه، وعلى حرمة الإذن لهن في الخروج بإشارته، لأن الإذن في المحرم محرم.
ورأى الشافعية أن ملازمة المعتدة بيت الزوجية خالص حق الزوجين، فلو اتفقا على الانتقال جاز، لأن الحق لهما وحدهما. وهذا هو المطبق فعلا اليوم حال الطلاق، فلا نرى مطلقة تبقى في بيت الفراق.
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي لا تخرجوهن من بيوتهن إلا إذا ارتكبن فاحشة الزنى، أو إذا نشزن أو صدر منهن بذاءة في اللسان واستطالة على الساكن معهن في ذلك البيت من أهل الرجل، وآذتهم المرأة في الكلام والفعال، فحينئذ يحل إخراجهن في المساكن لبذاءتهن وسوء خلقهن.
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي وهذه الأحكام السابقة التي بينها الله لعباده هي حدود الله التي حدها لهم، لا يحل لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها، ومن يتجاوز هذه الحدود المذكورة فقد أوقع نفسه في الظلم وأضرّ بها وأوردها مورد الهلاك.
ثم ذكر الله تعالى علة تحريم تعدي حدود الله، فقال:
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً أي لا تدري أيها المطلّق، فإنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة، لعل الزوج يندم على طلاقها، ولعلها إذا بقيت في بيتها أن يؤلف الله بين قلوبهما، فيتراجعا، بأن يراجعها الزوج، فيكون ذلك أيسر وأسهل، فالمقصود بالآية الرجعة.
وهذا واقع غالب، فإن غالب الطلاق يحدث نتيجة ثورة غضب جامحة، أو مكايدة ظاهرية، ثم تزول عوامل القلق، وتهدأ الأعصاب، ويعود الرجل إلى