الوجوب عند الطلاق، فكذلك عند الإمساك.
وقوله: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ دليل على وجوب أداء الشهادة عند القضاة على الحقوق كلها، لأن الشهادة هنا اسم للجنس. وإنما حث تعالى على أداء الشهادة لإظهار الحق، وترك التكاسل والتهرب من بعض المتاعب أو المشاق في الذهاب إلى المحاكم وانتظار القضاة، خشية تعطيل العمل أو الوقت بالنسبة للشاهد.
ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي ذلكم المذكور الذي أمرناكم به من الإشهاد على الرجعة والفرقة وإقامة الشهادة خالصة لله، وإيقاع الطلاق على وجه السنة، وإحصاء العدة، والكف عن الإخراج والخروج، إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر ويخاف عقاب الله في الدار الآخرة. وخص المؤمن، لأنه المنتفع بذلك دون غيره.
ثم أكد الله تعالى بجملة معترضة وجوب احترام هذه الأحكام والتزام حدود الله بقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أي ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، ووقف عند حدوده التي حدها لعباده، يجعل له من أمره مخرجا أو مخلصا مما وقع فيه، ويرزقه من وجه لا يخطر بباله، ولا يكون في حسابه.
وهذا دليل على أن التقوى سبيل النجاة من المآزق والهموم والغموم الدنيوية والأخروية وعند الموت، وهي أيضا سبب للرزق الطيب الحلال الواسع غير المتوقع.
روى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: جعل رسول الله ﷺ يتلو عليّ هذه الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ حتى فرغ من الآية، ثم قال: «يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم».