وبعد بيان مصارف الفيء، بيّن الله تعالى حال الفقراء المستحقين له، فقال:
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي إن هؤلاء الأصناف الأربعة (وهم ذوو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل) هم فقراء المهاجرين والأنصار والتابعين. وفقراء المهاجرين: هم الذين اضطرهم كفار مكة إلى الخروج منها، وإلى ترك أموالهم وديارهم فيها، طلبا لمرضاة الله وفضله ورزقه في الدنيا، وثوابه ورضوانه في الآخرة، ونصرة الله تعالى ورسوله ﷺ بمجاهدة الكفار، وإعلاء كلمة الله ودينه، أي إن الخمس يصرف للمذكور في الآية: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وتكون الأخماس الأربعة الباقية للفقراء المهاجرين ومن جاء بعدهم «١».
أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي هؤلاء المهاجرون هم الكاملون في الصدق، الراسخون فيه، الذين صدّقوا قولهم بفعلهم، وقرنوا إيمانهم بالعمل المخلص.
ثم مدح الله تعالى الأنصار، وأبان فضلهم وشرفهم، وعدم حسدهم، وإيثارهم المهاجرين مع الحاجة، ورضاهم بإعطاء الفيء لهم، فقال:
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ أي والذين سكنوا المدينة دار الهجرة، وتمكّن الإيمان بالله تعالى ورسوله ﷺ في قلوبهم، قبل هجرة المهاجرين، وهم الأنصار، يحبون المهاجرين، ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في أنفسهم حسدا أو غيظا أو حزازة للمهاجرين مما أوتي المهاجرون دونهم من الفيء، بل طابت أنفسهم بذلك، مع أنهم كانوا في دور الأنصار، وقدّموا المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا، ولو