ثم وصف الله القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم متابعون بإحسان، فقال:
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ أي والذين أتوا في الزمان من بعد المهاجرين والأنصار، وهم التابعون لهم بإحسان، كما في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة ٩/ ١٠٠] يقولون أي قائلين: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا السلف الصالح من المهاجرين والأنصار، وانزع من قلوبنا الغش والبغض والحسد للمؤمنين قاطبة، فإنك يا ربنا بالغ الرأفة كثير الرحمة، فاقبل دعاءنا.
والتابعون لهم بإحسان: هم المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية.
والآية دليل على تضامن وتكافل آخر الأمة وأولها وأجيالها، وعلى وجوب محبة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وتقدير أخوتهم في الدين والسبق إلى الإيمان، والحث على الدعاء لهم بخير، وعلى صفاء القلوب من أمراض الحقد والحسد لأي مؤمن.
قال الزهري: قال عمر رضي الله عنه: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ: هذه لرسول الله ﷺ خاصة، وقرى عرينة وكذا وكذا مما أفاء الله تعالى على رسوله ﷺ من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وللفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم،