ليس بقول شاعر ولا كاهن، والقوم ما كانوا يصفون جبرائيل بالشعر والكهانة، وإنما يصفون محمدا صلّى الله عليه وسلّم.
وأما في سورة التكوير فالأكثرون على أنه جبرائيل عليه السلام، لأن الأوصاف التي بعده تناسبه، كما سيأتي.
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ، قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ أي ليس القرآن بقول شاعر، كما تزعمون لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليس بشاعر، ولأن آيات القرآن ليست من أصناف الشعر، وأنتم تؤمنون إيمانا قليلا، وتصدقون تصديقا يسيرا. والقلة على ظاهرها وهي إقرارهم إذا سئلوا: من خلقكم؟ قالوا: الله. ويحتمل أن يكون المتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا إذ كانوا يصدّقون أن الخير والصلة والعفاف ونحوه الذي كان يأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو حق صواب.
وإنما قال عند نفي الشعر عنه: قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وعند نفي الكهانة:
قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ لأن انتفاء الشعرية عن القرآن أمر كالبيّن المحسوس.
أما من حيث اللفظ فظاهر لأن الشعر كلام موزون مقفّى وألفاظ القرآن ليست كذلك إلا النادر غير المتعمد. وأما من جهة التخيل فلأن القرآن فيه أصول كل المعارف والحقائق والبراهين والدلائل المفيدة للتصديق إذا كان المكلف ممن يصدّق ولا يعاند.
وانتفاء الكهانة عنه يحتاج إلى تأمل، فإن كلام الكهان أسجاع لا معاني لها، وأوضاع تنبو عنها الطباع، وأيضا في القرآن سب الشياطين وذم سيرتهم، والكهان إخوان الشياطين، فكيف رضوا بإظهار قبائحهم «١».

(١) غرائب القرآن للحسن القمي النيسابوري: ٢٩/ ٤٢.


الصفحة التالية
Icon