وَنَسْراً
أي وقال الرؤساء للأتباع للإغراء بمخالفة نوح وعصيان أوامره وأقواله:
لا تتركوا عبادة آلهتكم، وتعبدوا رب نوح، ولا تتركوا بالذات عبادة هذه الأصنام التي انتقلت عبادتها إلى العرب وهي ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر.
فكان ودّ لكلب، وسواع لهذيل، ويغوث لغطفان، ويعوق لهمدان، ونسر لحمير آل ذي الكلاع. وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى «١» الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلما ماتوا وجاء آخرون، وسوس إليهم إبليس قائلا: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم.
وكان عند العرب أصنام أخرى: أهمها اللات لثقيف بالطائف، والعزّى لسليم وغطفان وجشم، ومناة لخزاعة بقديد، وأساف ونائلة وهبل لأهل مكة، وهبل أكبر الأصنام عندهم، فوضع فوق الكعبة.
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا أي وقد أضل كبراؤهم ورؤساؤهم كثيرا من الناس، وقيل: أضلت الأصنام كثيرا من الناس، فإنه استمرت عبادتها في القرون بين العرب والعجم إلى عهد النبوة، كما قال إبراهيم الخليل في دعائه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم ١٤/ ٣٥- ٣٦].
وناسب ذلك أن يدعو عليهم نوح عليه السلام لإضلالهم وضلالهم وكفرهم وعنادهم، فقال: ولا تزد الكافرين إلا حيرة وبعدا عن الصواب، فلا يهتدوا إلى الحق والرشد، وذلك كما دعا موسى عليه السلام على فرعون وقومه في قوله:
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس ١٠/ ٨٨].