ثم عيّن الله تعالى المنذرين، فقال:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أي إن جهنم إنذار لمن أراد أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو الجنة بالإيمان، أو يتأخر عن ذلك إلى الشر والمعصية أو النار بالكفر. ونظير الآية قوله سبحانه: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ، وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [الحجر ١٥/ ٢٤] أي المبادرين إلى الخير، والمتأخرين عنه إلى الشر.
قال ابن عباس: هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم جوزي بثواب لا ينقطع، ومن تأخر عن الطاعة وكذب محمدا صلّى الله عليه وسلّم عوقب عقابا لا ينقطع «١».
وقال الحسن البصري: هذا وعيد وتهديد، وإن خرج مخرج الخبر، كقوله تعالى: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف ١٨/ ٢٩] «٢».
فقه الحياة أو الأحكام:
يستفاد من الآيات ما يأتي:
١- إن خزنة جهنم وزبانيتها التسعة عشر هم من الملائكة الذين لا يغالبون لا من الرجال الذين يمكن مقاومتهم بالتجمع عليهم.
٢- إن إيراد عدد التسعة عشر من الملائكة صار سببا لفتنة الكفار، أي اختبارهم، قال الزمخشري: ما جعل افتتانهم بالعدة سببا، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سببا، وذلك أن المراد بقوله: ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً، لِلَّذِينَ كَفَرُوا: وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، فوضع فتنة للذين كفروا موضع

(١) تفسير القرطبي: ١٩/ ٨٦
(٢) المرجع والمكان السابق.


الصفحة التالية
Icon