ولا صداقة ولا مودة تنفع وَلا شَفاعَةٌ بغير إذنه يوم القيامة وَالْكافِرُونَ بالله أو بما فرض عليهم، والمراد به في رأي الحسن البصري: تاركو الزكاة، لأن الأمر بالإنفاق هو الإنفاق الواجب، لاتصال الوعيد به وهو أن تاركي الزكاة هم الظالمون، كما قال الزمخشري. والظالمون: هم الذين جحدوا أمر الله أو أنفقوا المال في غير محله المشروع.
المناسبة:
حثت الآيات السابقة على الجهاد بالنفس، وهذه الآية حث على الجهاد بالمال وإنفاقه في سبيل الخير، ليدخر الناس ثواب ذلك عند ربهم، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا.
التفسير والبيان:
يأمر الله المؤمنين الذين اتصفوا بصفة الإيمان الصادق بالإنفاق في سبيل الله، وذلك يشمل- في رأي ابن جريج وسعيد بن جبير- الزكاة المفروضة والتطوع أو المستحبة، قال ابن عطية: وهذا صحيح، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال، وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله، ويقوي ذلك في آخر الآية قوله: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال.
وقوله: مِمَّا رَزَقْناكُمْ يؤكد الحث على الإنفاق، لأنه يدل على أنه لا يطلب إلا بعض ما رزقه الله لعباده.
ويتأكد الأمر أيضا بأنه سيأتي يوم يندم فيه الإنسان ولا يفيده الندم، وهو يوم الجزاء والحساب والثواب والعقاب الذي لا ينفع فيه البديل أو الفداء، ولا الصداقة أو المودة، ولا الشفاعة أو الوساطة أو النسب، يوم تختلف فيه مقاييس الآخرة عن مقاييس الدنيا، وذلك مثل آية أخرى هي: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة ٢/ ٤٨].