منسوخة لأنها تثبت الحساب على الوساوس وخواطر النفوس. والراجح أن الآية غير منسوخة، وأن المراد من قوله: «نسخها الله» : أزال ما أخافهم، وأن آية: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ليست ناسخة، ولكنها موضحة، أيدها
الحديث الذي رواه الجماعة في كتبهم الستة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلّم أو تعمل»
، وقد قال ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد: إن الآية محكمة مخصوصة، وهي في معنى الشهادة التي نهى الله عن كتمها، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب.
ويدل على منع القول بالنسخ الأدلة التالية:
١- إن قوله تعالى: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ خبر، والأخبار لا تنسخ عند جمهور الأصوليين.
٢- إن كسب القلب وعمله مما دل الكتاب والسنة والإجماع والقياس على ثبوته والجزاء عليه، ظهر أثره على الجوارح أم لم يظهر، كقوله تعالى:
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة ٢/ ٢٢٥] وقوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [الإسراء ١٧/ ٣٦].
٣- إن الوساوس العارضة وحديث النفس الذي لا يصل إلى درجة القصد الثابت والعزم الراسخ لا يدخل في مفهوم الآية، كما قال المحققون.
٤- إن تكليف ما ليس في الوسع ينافي الحكمة الإلهية.
٥- لا يظهر معنى للنسخ وهو تغيير الحكم لتغير مصلحة المكلفين لأن ما في النفس لا يتغير ولا يختلف باختلاف الأزمنة والأحوال.


الصفحة التالية