والأجر الجنة، ونفى عنه الخوف بعد موته في المستقبل، وأذهب عنه الحزن أو الألم على ما سلف في الدنيا لأنه يغتبط بآخرته، فقال: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وفيها دلالة لمن فضّل الغنى على الفقر.
٨- القول المعروف خير من صدقة الأذى، والقول المعروف: هو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله. وهذا فيه أجر، ولا أجر فيها،
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه مسلم: «الكلمة الطيبة صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق»
أي يتلقى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب، ليكون مشكورا إن أعطى، ومعذورا إن منع، وهو نظير قوله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً [الإسراء ١٧/ ٢٨].
وأيضا الفعل المؤدي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى. والمغفرة: ستر سوء حالة المحتاج، أو التجاوز عن السائل إذا ألحّ وأغلظ وجفا.
ودلت آية قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ على مبدأ مهم عام في الشريعة وهو «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».
٩- لا تقبل الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمنّ أو يؤذي بها، وعبر الله تعالى عن عدم القبول وحرمان الثواب بالإبطال. والمراد إبطال الصدقة المصحوبة بالمن أو الأذى، لا غيرها، فالمن والأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها، وإنما يقتصر الأمر على حرمان المرائي والمنان من الانتفاع بصدقته المشتملة على الرياء أو المن.
ودل قوله تعالى: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ على تسلية الفقراء، وتعليق قلوبهم بحبل الرجاء بالله الغني الحليم، وتهديد الأغنياء وإنذارهم بأن لا يغتروا بحلم الله وإمهاله إياهم.