بعمله ذمّوه وحسدوه ومقتوه، وقد يتهمونه بالتهور والطيش إن كانت نفقته كثيرة، وإن مدحوه فلا قيمة ولا غناء لمديحهم لأن ما عند الله خير وأبقى أو أنفع وأخلد.
والله تعالى بكرمه وفضله ينمي نفقات المخلصين ويكافئهم بالمزيد، كالبستان الذي يثمر ضعفي ثمرته، تقريبا لأذهاننا،
أخرج مسلم ومالك وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه، فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوه «١»، أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم».
وأما المنفق لغير وجه الله فيتلاشى فضل عمله سراعا في الدنيا، ولا يجد له ثمرة في الآخرة. روي عن ابن عباس وغيره أن هذا- أي الموقف الثاني- مثل ضربه الله تعالى للكافرين والمنافقين، كهيئة رجل غرس بستانا، فأكثر فيه من الثمر، فأصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء- يريد صبيانا بنات وغلمانا- فكانت معيشته ومعيشة ذرّيته من ذلك البستان، فأرسل الله على بستانه ريحا فيها نار، فأحرقته، ولم يكن عنده قوة، فيغرسه ثانية، ولم يكن عند بنيه خير، فيعودون على أبيهم. وكذلك الكافر والمنافق إذا ورد إلى الله تعالى يوم القيامة، ليست له كرّة يبعث فيرد ثانية، كما ليست عند هذا قوة فيغرس بستانه ثانية، ولم يكن عند من افتقر إليه عند كبر سنه وضعف ذريته غنىّ عنه.
وقد دل تعليل الإنفاق بعلتين في آية: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ.. على أن نقصد بأعمالنا أمرين:
أولهما- ابتغاء رضوان الله لذاته، تعبدا له.