المناسبة:
بعد بيان قصة أصحاب الأخدود وما فعلوه بالمؤمنين من الإحراق بالنار، أتبع اللَّه تعالى ذلك بأحكام الثواب والعقاب، وأوضح ما أعد للكفار من عذاب جهنم، وما أعد للمؤمنين من الثواب الجليل والتنعم بجنان الخلد.
التفسير والبيان:
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ أي إن الذين أحرقوا بالنار المؤمنين والمؤمنات باللَّه ورسله، ولم يتركوهم أحرارا في دينهم، وأجبروهم إما على الإحراق أو الرجوع عن دينهم، ثم لم يتوبوا من قبيح صنعهم ويرجعوا عن كفرهم، فلهم في الآخرة بسبب كفرهم عذاب جهنم، ولهم عذاب الاحتراق بالنار لأن الجزاء من جنس العمل.
وعذاب الحريق تأكيد لعذاب جهنم، وقيل: إنهما مختلفان في الطبقة، الأول- لكفرهم، والثاني لأنهم فتنوا أهل الإيمان وأحرقوهم بالنار، وهذا عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم، وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق. أو لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا، لما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم.
وقوله: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا إشارة إلى أنهم لو تابوا إلى اللَّه، وندموا على ما فعلوا، غفر اللَّه لهم. ولكن لم ينقل أن أحدا منهم تاب، بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر. قال الحسن البصري رحمه اللَّه: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.
ثم رغّب اللَّه تعالى وأرشد إلى ما أعدّ للمؤمنين من الثواب العظيم، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ أي إن الذين آمنوا وصدقوا باللَّه ربّا واحدا لا شريك له،


الصفحة التالية
Icon