بالوجه الذات، أي أصحابها، وأصحاب الوجوه وهم الكفار، تكون في ذلك اليوم ذليلة خاضعة لما هي فيه من العذاب، ونسب الخشوع والذل إلى الوجوه لأن أثره يظهر عليها، ونظير ذلك قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [السجدة ٣٢/ ١٢] وقوله: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ، يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى ٤٢/ ٤٥].
وقد كان أصحابها في الدنيا يعملون عملا كثيرا، ويتعبون أنفسهم في العبادة، ولا أجر لهم عليها لما هم عليه من الكفر والضلال والإيمان باللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم شرط قبول الأعمال. والآية في القسّيسين وعبّاد الأوثان وكل مجتهد نشط في كفره «١».
ثم ذكر جزاء هؤلاء في يوم القيامة:
تَصْلى ناراً حامِيَةً، تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ، لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ أي تدخل تلك الوجوه نارا شديدة الحرارة، وتقاسي حرها، وتعذب بها، لخسارة أعمالها، وتسقى إذا عطشوا من ماء عين أي ينبوع، آنية، أي متناهية في حرها، فهي لا تطفئ لهم عطشا.
وليس لهم طعام يتغذون به إلا الضريع: وهو شوك يابس شديد المرارة والضر، يقال له في لغة أهل الحجاز الشّبرق إذا كان رطبا، فإذا يبس فهو الضريع، وهو سم، وشر الطعام، وأبشعه وأخبثه.
ولا يحصل به مقصود ولا يندفع به محذور، فلا يسمن آكله، ولا يدفع عنه الجوع. وإنما قدم المشروب على الضريع المطعوم لأن الماء لأهل النار أهم، ويغلب عليهم العطش إذا أثر فيهم حر النار.