توبيخ الإنسان على قلة اهتمامه بالآخرة وفرط تماديه في الدنيا
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٥ الى ٢٠]
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩)
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)
الإعراب:
فَأَمَّا الْإِنْسانُ.. فَيَقُولُ: رَبِّي أَكْرَمَنِ الْإِنْسانُ: مبتدأ، وجملة فَيَقُولُ..
خبر المبتدأ، وأتى بالفاء لأن في «أما» معنى الشرط بالإنعام. والظرف المتوسط: إِذا مَا ابْتَلاهُ... في تقدير التأخير، كأنه قيل: فأما الإنسان فقائل: ربي أكرمني وقت ابتلائه.
وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ إما أن يكون طَعامِ بمعنى إطعام، فيكون اسما أقيم مقام المصدر، مثل: سلمت عليه سلاما، أي تسليما، وكلمته كلاما، أي تكليما، وإقامة الاسم مقام المصدر كثيرة في كلام العرب، وإما أن يكون التقدير فيه: ولا تحضون على إطعام طعام المسكين، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
البلاغة:
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ... وقوله: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ.. بينهما مقابلة، قابل بين أَكْرَمَنِ وأَهانَنِ، وبين توسعة الرزق وتضييقه.
كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ فيه التفات من ضمير الغائب إلى الخطاب زيادة في التوبيخ والعتاب. والأصل أن يقال: كلا بل لا يكرمون.
المفردات اللغوية:
فَأَمَّا الْإِنْسانُ متصل بقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ قال البيضاوي: كأنه قيل:
إنه لبالمرصاد في الآخرة، فلا يريد إلا السعي لها، فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها. إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ اختبره بالغنى واليسر. فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ بالجاه والمال. فَيَقُولُ: رَبِّي أَكْرَمَنِ فضّلني بما أعطاني، وصيّرني مكرما، يتمتع بالنعيم.