أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود قال: اضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على حصير، فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، وقلت: يا رسول اللَّه، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب، ظلّ تحت شجرة، ثم راح وتركها».
وبشره بعطاء جزيل فقال:
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أي ولسوف يمنحك ربك عطاء جزيلا ونعمة كبيرة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو الفتح في الدين، وأما في الآخرة فهو الثواب والحوض والشفاعة لأمتك، فترضى به. وهذا دليل على تحقيق العلو والسمو في الدارين، فيعلو دينه على كل الأديان، ويرتفع قدره على جميع الأنبياء والناس بالشفاعة العظمى يوم العرض الأكبر يوم القيامة. وإنما أتى بحرف التوكيد والتأخير، ليفيد بأن العطاء كائن لا محالة، وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة.
ثم عدد اللَّه تعالى نعمه على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل إرساله، وكأنه قال: ما تركناك وما قليناك قبل أن اخترناك واصطفيناك، فتظن أنا بعد الرسالة نهجرك ونخذلك، فقال:
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أي ألم يجدك ربك يتيما لا أب لك، فجعل لك مأوى تأوي إليه، وهو بيت جدك عبد المطلب وعمك أبي طالب، فإنه فقد أباه وهو في بطن أمه، أو بعد ولادته، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب، وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب، إلى أن توفي، وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره بعد أن ابتعثه اللَّه على رأس أربعين سنة.