وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ استعارة تمثيلية، شبه الذنوب بحمل ثقيل يرهق كاهل حامله بطريق التمثيل.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً تنكير اليسر للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يسرا عظيما.
الْعُسْرِ و «اليسر» بينهما جناس ناقص.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إطناب بتكرير الجملة، لتثبيت معناها في النفوس، وبما أن العسر معروف فهو مفرد، واليسر منكر فهو متعدد، أي مع كل عسر يسران، فالعسر الأول عين الثاني، واليسر تعدد.
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ سجع مرصع مراعاة لرؤوس الآيات. وكذا في قوله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وهو من المحسنات البديعية.
المفردات اللغوية:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ألم نفسح ونبسط ونوسع لك يا محمد صدرك، حتى وسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق، بما أودعنا فيه من الحكمة والإيمان والنبوة، وأزلنا عنه ضيق الجهل. والعرب تطلق سعة الصدر وعظمه على الحلم والقوة، فهو كناية عن السرور وانبساط النفس وراحة البال وسعة الأفق. وهو استفهام تقرير، أي قد شرحنا وأفسحنا.
وَضَعْنا حططنا وأزلنا وخففنا عنك. وِزْرَكَ حملك الثقيل. أَنْقَضَ أثقل، حتى سمع له نقيض أي صوت. وهذا كقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح ٤٨/ ٢]. وليس المراد بالذنوب المعاصي والآثام، فإن الرسل معصومون من ارتكاب الذنوب، وإنما المراد ما فعله اجتهادا مما هو خلاف الأولى، كإذنه للمنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك، وأخذ الفداء من أسرى بدر، وعبوسه في وجه الأعمى ونحو ذلك. وقيل: المراد من قوله: وِزْرَكَ تخفيف أعباء النبوة والرسالة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها، وأداء واجباتها وحفظ حقوقها، فسهل اللَّه تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها، بأن صارت يسيرة له.
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ بالنبوة وغيرها، كأن جعلتك تذكر مع ذكري في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ الشدة والضعف والفقر ونحوها من المضايقات يُسْراً سهولة وتوفيقا للاهتداء والطاعة، وقد قاسى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كثير من الكفار، وعانى منهم الشدائد، ثم حصل له اليسر، بنصره عليهم.
فَإِذا فَرَغْتَ من أداء الرسالة وتبليغ الناس بها. فَانْصَبْ أتعب في الدعاء والعبادة. فَارْغَبْ تضرع وتوكل، واجعل رغبتك باللَّه في جميع شؤونك.


الصفحة التالية
Icon